أهلاً بكم في أطلس شعبي. تحتوي صفحات المشروع على عناصر غير متاحة للعرض عبر شاشة الهاتف المحمول. لذا، لضمان حصولك على أفضل تجربة، نوصي باستخدام حاسوبك أو شاشة الكومبيوتر.
مضمر
بواسطة علي مصطفى
يا راكب اللي ما يهاب المسافة.. ولا طبّعوه فلان وفلان وفلان،
جلده رهيف وزاد قلبه رهافة.. وطبعه عنود وما يخاطيه لجنان.
بهذه الأبيات وصف شاعر بدو سيناء عنيز أبو سالم علاقة الراكب بالجمل، فيصفه براكب الذي لا يخشى المسافات ولا يمتطيه أحد سوى صاحبه، رقيق الجلد وزاد قلبه رقة، عنيد الطبع ولا يسبقه الجان.

في المرة الأولى التي صورت فيها سباقات الهجن في سيناء عام ٢٠٢٣ لم أكن على علم بمدى عمق هذا المجتمع وترابطه.

في رحلتي لتوثيق جزء من حياة أهل الهجن اكتشفت أنهم يعشقون هذه الرياضة كعشق الرجال لكرة القدم.

يتابعونها بشغف واهتمام، ويتنقل المحترفون فيها بين ميادين السباق طوال العام.

ورغم حياتهم البعيدة عن مواقع التواصل بحكم الحياة في الصحراء، إلا أنهم على تواصل دائم مع اختلاف قبائلهم ومناطق رعيهم.

في البداية كنت أتعجب من اختيار البدو للصحراء كسكن رغم قسوتها وصعوبة الحياة فيها، لكنني تعلمت أن الصحراء تمنحهم الحرية التي سلبتها منا المدينة.

لا ضجيج هنا، حكايات تُروى مع وقع خف الهجن على التراب، وقلوب تنبض بالحرية والحياة.

رأيت رمضان البلوي أول مرة في إبريل ٢٠٢٣ في سباق الهجن بمضمار مدينة العريش شمال سيناء، وهو يقفز واقفًا على ظهر الجمل بلا رهبة.

كان رمضان حينها ابن الثمانية عشر عام يعمل مضمر في ميادين السباق في سيناء وخارجها، ويعمل أيضًا كمدرب للهجن وللركيبة الصغار ليساعدهم على احتراف السباق.

في مضمار يمتد طوله ثمان كيلو متر تقريبًا غرب مدينة العريش وقف رمضان بجوار ابن عمه مجد عند بداية السباق وهو يملي عليه التعليمات قبل الانطلاق.

انطلق مجد مع أكثر من خمسة عشر مشارك في السباق، كنا رمضان وأنا نحاول اللحاق بهم بسيارة رمضان، لكن فجأة غير الجمل مساره وتمرد.

يصرخ رمضان من شباك السيارة: "(مجد لا تضربه) يقصد الجمل، مجد لا تضربه، لا تضربه."

نزل رمضان صاحب الجسد الصغير بسرعة من السيارة محاولًا اللحاق بالجمل.

في البداية ظننت أنها معركة محسومة لصالح الجمل الذي يفوقه مرات في الحجم والسرعة، لكن سرعان ما أدركت أنني مخطئ.

استطاع رمضان أن يسيطر على الجمل بعد محاولات عدة.

خسر رمضان ومجد السباق، لكنه مجرد سباق.

"إنشالله المرة الجاية بنفوز" هكذا قال، وهو ما حدث بالفعل في ميدان السر بمدينة الحسنة بعد ثلاثة أشهر.
في سباق العريش الاقدم والاكبر في سيناء تنتظر الكؤوس حاصديها، في اليوم الافتتاحي للسباق يقام اكثر من عشر اشواط لفئات مختلفة من الهجن والهجانة، يحصد المركز الاول في كل شوط على كآس كرمزية للفوز ودليل على حصد الفخر.
"مبروك الناموس."
هكذا يهنئ أهل الهجن الفائز في السباق، تهنئة يبحث عنها كل المشاركين (من ميدان العريش إلى العلمين، السر، شرم الشيخ، إسماعيلية، الطور، الزلقة، والخ).

يقضي رمضان وإخوته الوقت مع إبلهم متنقلين خلف مضامير السباق للبحث عن الناموس، بينما يقضون المتبقي من العام في تدريب الإبل وتدريب الصغار على ركوبها.

سباقات الهجن هي الرياضة الأكثر شعبية بين البدو، وفي سيناء كان مضمار العريش هو أشهر مضامير السباق.

يقع مضمار العريش في قرية الميدان غرب المدينة، لكنه أغلق بسبب أحداث الحرب بين عام ٢٠١١ و٢٠٢٢.

يقول رمضان: "في تلك السنوات تأثرنا كثيرًا نحن أهل الإبل، كنت صغيرًا عندما غادر الكثير من المدربين والمضمرين سيناء إلى أماكن مختلفة بسبب الأحداث، توقفنا عن المشاركة في سباق العريش وبدأنا في البحث عن سباقات أخرى".

كان سباق العريش هو الأهم والأشهر في سيناء لكونه سباقًا دوليًا، لكنه لم يعد كذلك بعد.
يستكمل رمضان: "كان علي أن أتعلم أكثر عن تدريب الإبل بعدما غادر المدربون شمال سيناء، تعلمت الكثير من العائلة حتى أصبحت المدرب الخاص بها".

يستكمل رمضان: "كان علي أن أتعلم أكثر عن تدريب الإبل بعدما غادر المدربون شمال سيناء، تعلمت الكثير من العائلة حتى أصبحت المدرب الخاص بها".

يعيش رمضان مع عائلته في غريف الغزلان، وهو تجمع سكني صغير لعرب بلي في الصحراء بين العريش وبئر العبد والحسنة.

كحال كل أهل الهجن يسكنون الصحراء لتناسبها مع بيئة رعي وتدريب الإبل، لكنهم مضطرون لمواجهة قسوتها.

ليست فقط قساوة الصحراء هي ما يواجهه رمضان وإخوانه، وإنما التطور التكنولوجي أيضًا الذي تسلل رويدًا رويدًا إلى عالم الهجن ليستبدل المضمر بالراكب الآلي؛ جهاز صغير مربوط بعصا آلية لضرب الجمل أثناء السباق بدلًا من الهجانة.

يقسم البدو أشواط السباقات بين الهجانة والراكب الآلي للمحافظة على مهنة الركيب، ليصطدموا بقوانين أخرى في السباقات الرسمية تمنع مشاركة الركيبة الأصغر من سن الـ١٦ عام رغم احتراف بعضهم لسباقات الهجن في سن الخامسة فقط.
يحثّ أحد الهجانة الجمال على التقدم مع رفع بوابة الانطلاق في مضمار سباق العريش. بعض الجمال تفزع عند ارتفاع الحاجز، لذا تمنعها صيحات المدرب من التردد أو التراجع عن السباق.
تمرس رمضان البلوي ١٩ عام في تدريب الهجن حتى احترف الحركات البهلوانية كالقفز اثناء الركوب وهو ما يقوم به للاستعراض في افتتاحية مهرجان الهجن في مضمار العريش عام ٢٠٢٣.
عبدالرحمن ٦ سنوات والاخ الاصغر لرمضان البلوي يسابق رفاقه للوصول لخط نهاية السباق في مضمار العريش، يعيش عبدالرحمن حياته بشكل كامل في تدريب الهجن والتدرب على ركوبها "بريدهي" اي احبها هكذا يجيب عند سؤاله عن تعلقه بالهجن في سنه الصغير
يقود الهجانة سياراتهم مسرعين على  جانب المضمار لتأكد من سلامة الراكب في اشواط الركيبة و لتشغيل الراكب الالي في الاشواط الالية، عائلة سليمان ٧ سنوات تقوم بتشجيعه من السيارة أثناء السباق.
ينتظر منظم السباق اشارة من خط النهاية ليعطي اشارة البدأ عند خط البداية يحدث هذا بشكل مفاجئ وسريع حتى يتمكن الجميع من الانطلاق في نفس اللحظة، بعد البدأ المفاجيء للسباق يحاول طفل الابتعاد من تحت اقدام الجمال حيث كان يساعد اخاه الراكب على الاستعداد للسباق.
يبدأ الراكب حياته مع الإبل في سن الثالثة أحيانًا، حيث يتبع أخاه الأكبر في تدريب وإطعام إبل العائلة.

يقول مساعد، صاحب العشر سنوات، حين التقيته يدرب الإبل في صحراء سيناء إنه فاز بأول سباق له كراكب محترف في سن الثامنة فقط، وربما يفوز من هم أصغر سنًا في سباقات أخرى.

المعيار الوحيد في اختيار الطفل لاحتراف ركوب الهجن هو أن يكون (بيريدهن) أي يهوى الهجن بلغة بدو سيناء.
محمد السواركة ٢٠ عام اثناء تدريب الجمال في الصحراء بالقرب من العريش، يعيش محمد في منطقة مضمار العريش بسبب قربها من قريته، لكنه دائما ما يترك القرية للعيش في بيوت الهجانة في نادي العريش للهجن  لم يعد محمد يشارك في السباقات كثيرا لكنه يعمل على تدريب صغار العائلة حتى يصبحوا راكبين محترفين.
بورتريه لهجان يرتدي العقدة (الشال بلغة اهل سيناء) قبل بدآ السباق في ميدان العريش، يقتصر دور العجانه الآكبر سنا على التدريب فقط، لا يمكنهم المشاركة في السباق لضرورة خفة وزن الراكب اثناء السباق.
بيوت البدو في منطقة الميدان بالقرب من العريش.
تستقبل هذه البيوت عادة الهجانة القريبين من المنطقة وايضا القادمين من مناطق اخرى راغبين في استراحة و مرعى للهجن.
في رحلتي لتوثيق حياة أهل الهجن في سيناء التقيت بالشيخ عطية الأحيوي أربع مرات صدفة في ميدان العريش.

يسميني الشيخ عطية "الشاب أبو الكاميرا". ورغم أنه يرفض التصوير، إلا أنه يناديني في كل مرة لنتحدث حول الإبل وأشعار عنيز أبو سالم الترابين.

يقول الشيخ عطية: "مش كل الإبل بتسابق بالآلي كويس، بعض الجمال والأصيل منها لازم يكون ليها راكب".

في عام ٢٠٠٨، عندما ظهر الراكب الآلي في سيناء، توقف أهل الهجن عن سباقات الركيبة لتتحول جميع السباقات للآلي، "لكن الناس بتريد الماراثونات (سباقات الركيبة)"، كما قال الشيخ عطية، لهذا أعاد البدو الركيبة مرة أخرى على ظهر الإبل.يعيش الشيخ عطية مع بعرانه في جبال الجفجافة بوسط سيناء، بينما يحرص دائمًا على حضور سباقات الهجن في العريش والشرم وغيرها من الميادين رغم بعد المسافة عن موطنه.

يحاول البدو في سيناء الحفاظ على موروثاتهم القديمة ضد موجة الحداثة التي أصابت سباقات الهجن.

هذا هو الحال عند جميع أهل الهجن في سيناء؛ يربوها ويدربوها ويركبوا عيالهم عليها في محاولات دائمة لعدم السماح للراكب الآلي أن يحل محل الركيب.