
روح
and care that never ends

كنتُ أرى فيها رحمة الملائكة؛ لقد توارثتُ حبَّ الحيوانات منها. هكذا بدأ مصطفى، ذو الاثنين والسبعين عامًا، حديثه. يعيش مصطفى حياته وحيدًا؛ لم تكن حياته سهلة. فقد بدأ عمله سائقًا إلى جانب عمله تاجرًا، والآن، بعد سنوات طويلة، وجد نفسه في مواجهة فراغ صامت داخل منزل والدته القديم بعد انفصاله عن زوجته.
ذلك المنزل العتيق لم يكن مجرد أربعة جدران وسقف، بل كان كتابًا مفتوحًا على الماضي، يحتفظ بكل مشاهد طفولته. منذ رحيل والدته قبل عشرين عامًا، ظل المكان كما هو، كأنه يرفض أن يتغير، وكأنه يتآمر مع الزمن ليُبقي ذكرياته حيّة تملأ أركان البيت.
نشأ مصطفى منذ طفولته في هذا المنزل على رؤية والدته تطعم الحيوانات التي كانت تتجمع أسفل البيت يوميًا. كانت والدته تعطيها من طعام المنزل دون تردد، وبمساعدته بقيت أفراد الأسرة تخصص لها جزءا من وقتها وحنانها. ومع رحيلها، لم يتوقف مصطفى عن هذا التقليد، بل وجد نفسه يواصل ما كانت تفعله، وكأنه يعبر لها عن حبه من خلال رعايته لتلك الكائنات التي اجتمعا على حبها.
واليوم، بات المنزل أشبه بمأوى مخصص لإطعام الحيوانات؛ حيث أصبحت قطط وكلاب المنطقة ترى في هذا البيت ملاذًا آمنًا لها، تتناول فيه الطعام والشراب، وتنعم بالنوم بجوار بابه.
في كل مرة يقوم فيها مصطفى بإطعام هذه الكائنات، يشعر وكأنه قريب أكثر من والدته. يرى في نفسه امتدادًا لروحها الطيبة وعطائها الذي لم يتوقف حتى بعد وفاتها. أصبح يشعر أن هذه الكائنات الصغيرة جزء من إرثها، وأنه يؤدي واجبًا تجاهها من خلال العناية بها.
في لحظات كثيرة، يجلس مصطفى أمام باب المنزل، ويتذكر كيف كان يساعد والدته في الاعتناء بهذه الكائنات التي أحبّتها. والآن، يقف في المكان نفسه، يفعل الشيء ذاته، بابتسامة دافئة على وجهه.

صورة فوتوغرافية قديمة قبل نصف قرن يظهر فيها مصطفى برفقة قطة صغيرة تصعد علي كتفه في حديقة الشلالات في الإسكندرية حيث اعتاد علي زيارة الحديقة لإطعام الحيوانات الأليفة الموجودة في المكان واللعب معاها .

خصص مصطفى ثلاجة خاصة لحفظ طعام الحيوانات

يطهو مصطفى يوميًا وجبات خاصة للحيوانات بحب وكأنها عائلته.

جعلى الرغم من شعوره بالإرهاق في بعض الأحيان، وصعوبة النزول يحرص مصطفى على إطعام الحيوانات يوميًا، مكتفيًا بالقيام بذلك من نافذة منزله .


أهدته امرأة محبّة للقطط مجموعة من الصور المميزة، بعد أن تأثرت بما يقدمه مصطفى من رعاية واهتمام للحيوانات. أخبرته أن هذه الصور هي أغلى ما تملك، وقدّمتها له تقديرًا وامتنانًا لما يفعله من أجلهم.






كان مصطفى يحرص على توثيق لحظاته مع الحيوانات التي يطعمها في الحدائق والأماكن العامة، إذ كان يرى في الصور الفوتوغرافية وسيلة لتخليد ذكرياته معهم. ولشغفه الكبير بالتصوير، كان يصطحب مصوره الخاص في كل زيارة، لتكون كل لحظة صورة لا تُنسى.

تتجمّع عشرات القطط يوميًا أمام منزله، منتظرة حضوره الذي ألفته يومية
أسامة عشوش
الإسكندرية
أسامة عشوش مصور فوتوغرافي وفنان بصري مستقل من الإسكندرية بدأ رحلته مع التصوير عام 2016 يركز في عمله على القضايا الاجتماعية والهوية ويستكشفها من خلال الممارسات الفنية والسرد البصري. في مشاريعه يسعى إلى إلقاء الضوء على موضوعات منسية تستحق أن تروى، ويمزج في أسلوبه بين الحس الوثائقي واللمسة الإنسانية حيث لا يكتفي بالتقاط الصورة بل يبحث عن الحكاية التي تقف وراءها.
شارك في عدة معارض وورش فنية منها برنامج "أطلس شعبي" وايضا ورشة "راقودة" كما عرضت أعماله في الجامعة الأمريكية بالقاهرة وشارك في معرض فاروق حسني للفنون وغيرها من الفعاليات الفنية في مصر. نال عدة جوائز من بينها المركز الأول في مسابقة الصحافة المصرية وجائزة فوجي للتصوير.